شرعية الاسهم: كيف أتحقق من شرعية سهم قبل التداول

عندما اخترت بدء التداول الرقمي أشغلتك مسألة التوافق مع الشريعة الإسلامية، أليس كذلك؟ وبتّ باحثًا عما يضمن لك ربحًا ماليًا يلبي توجهاتك الأخلاقية والشرعية، فتحقيق العوائد المالية أصبح متداركًا لكنه يحتاج إلى أخلاقيات عالية مهنية ودينية تجنب المستثمر الوقوع في المحظور وتمنعه من الضرر بنفسه وغيره.

ففي حين أن السوق المالي يوفر العديد من الفرص المربحة والجذابة حقيقًة، بات الالتزام بأحكام الشريعة أولوية للعديد من المستثمرين، خاصةً أولئك الذين يرغبون في الابتعاد عن الأموال المحرمة، مثل: الفوائد الربوية أو الاستثمارات في الأنشطة غير المشروعة إسلاميًأ وعُرفيًا. إذن كيف تبدأ مشوارك بخطى قوية لا تشوبها شائبة؟ في هذه المقالة سنتعرف على كيفية التحقق من شرعية الاسهم المالية والاستثمارية قبل البدء في أي تداول.

لماذا يجب أن تهتم بالشرعية قبل التداول؟

الاستثمار في الأسهم هو من أكثر وسائل تحقيق الربح المالي في وقتنا هذا؛ ومع ذلك، بالنسبة للمستثمر المسلم، لا يكفي التفكير في العائد المالي فحسب؛ إنما  يجب أن تكون جميع المعاملات المالية متوافقة مع الشريعة الإسلامية التي يتبناها في جميع معاملاته وتوجهاته الشخصية، وذلك لتجنب الوقوع في المحرمات، مثل: الربا وهي الفوائد الربوية أو التعامل في أنشطة محرمة، مثل: القمار والخمور أو حتى السلع التي تسبب الضرر من أي نوع.

عندما تتأكد من شرعية الاسهم التي تستثمر فيها، فأنتَ لا تضمن فقط أنكَ تبعد نفسك عن المعاملات المحرمة، بل أيضًا تساهم في دعم الشركات التي تلتزم بالقيم الأخلاقية، لتعزيز ديمومة استثمارك على المدى البعيد.

ما هي الأسهم الحلال وكيف تميزها؟

الأسهم الحلال هي أسهم تخص شركات تتبع أنشطة تجارية لا تتعارض مع مبادئ الشريعة الإسلامية. ولكن ما الذي يجعل السهم حلالًا؟

المعايير التي تحدد الأسهم الحلال:

النشاطات المباحة: الشركة يجب أن تكون مختصة في أعمال مشروعة، مثل: التكنولوجيا، الصناعة، الصحة، التعليم، الخدمات وغير ذلك من القطاعات التي لا تتعامل في المحرمات.

التمويل الإسلامي: الشركة يجب أن تتبع طريقة تمويل شرعية، مثل: استخدام الصكوك الإسلامية أو التمويل الذي لا يعتمد على القروض الربوية المحرمة.

الابتعاد عن المعاملات الربوية: الشركات التي تملك نسبة كبيرة من الديون الربوية تعتبر أسهمها غير حلال.

الأرباح الطاهرة: يجب أن تكون أرباح الشركة ناتجة عن أنشطة مشروعة تمامًا، ولا تشمل الممارسات التي تساهم في الربح من المحرمات والمشبوهات من الأنشطة والمعاملات التجارية والمالية.

 مقارنة بسيطة بين الأسهم الحلال والأسهم غير الحلال:

 كيف تتحقق من نشاط الشركة التي ترغب بالاستثمار فيها؟

قبل اتخاذ القرار بالاستثمار في أي سهم، يجب عليك أولًا التحقق من نشاط الشركة التي تود الاستثمار فيها عن طريق:

البحث في التقارير السنوية للشركة: يمكنك الاطلاع على التقارير السنوية التي تصدرها الشركة لمعرفة تفاصيل نشاطاتها، تأكد من أن الشركة تعمل في مجال مشروع، بالإضافة إلى البحث في خلفية الشركة مطولًا.

زيارة الموقع الإلكتروني: غالبًا ما يوضح الموقع الإلكتروني للشركة طبيعة عملها والقطاعات التي تتعامل فيها، ابحث عن أي إشارات تشير إلى أنشطة محظورة وتتبع آراء المستثمرين والمتعاملين قبلًا معها.

المراجعة مع الخبراء الشرعيين: إذا كنت غير متأكد بعد، يمكنك استشارة بعض الهيئات الشرعية التي تقدم رأيها حول شرعية الاسهم في الشركة.

إذا كانت الشركة تعمل في أكثر من قطاع واحد، تأكد من أن كل القطاعات التي تعمل فيها مشروعة. على سبيل المثال، إذا كانت الشركة تتعامل في التقنية والصحة معًا، تأكد من أن قسم التقنية لا يعمل في مجالات محظورة، مثل: تكنولوجيا المقامرة أو الإعلام المروج للمحرّمات.

دور الفتاوى الشرعية في تحديد شرعية الاسهم الحلال:

واحدة من الطرق الأكثر موثوقية للتحقق من شرعية الاسهم هي الرجوع إلى الفتاوى الشرعية الصادرة عن هيئات إسلامية معترف بها، هذه الفتاوى تعطي إجابات دقيقة بناءً على تقييمات مختصة حول شرعية الشركات وأسواقها. عن طريق: 

البحث عن تقارير من هيئات فقهية معروفة: مثل: مجلس الشريعة أو مؤسسة الفتاوى المالية.

الاطلاع على فتاوى من علماء متخصصين في المعاملات المالية: حيث يصدرون تقييمات مفصلة عن شركات معينة و شرعية الاسهم فيها، مثل: مؤسسة المراجعة الشرعية للأسواق المالية و مؤسسة فتوى سوق الأسهم السعودي، ودار الإفتاء المصرية.

هذه الفتاوى يمكن أن تكون متاحة عبر الإنترنت ويمكن للمستثمرين الاطلاع عليها بسهولة لتحديد ما إذا كانت الأسهم التي ينوون تداولها تتوافق مع الشريعة.

استخدام مؤشرات الأسهم الحلال:

مع تزايد الوعي المالي الإسلامي، ظهرت مؤشرات خاصة بالأسهم الحلال التي تسهل عليك البحث عن الشركات التي تلتزم بمعايير الشريعة، هذه المؤشرات تقوم بتحديد الشركات التي تلتزم بالقيم الإسلامية بناءً على تقييمات مالية وفكرية. بعض المؤشرات التي يمكن الاعتماد عليها هي:

مؤشر الأسهم الحلال: يقدم قائمة بالشركات الحلال في أسواق مالية متعددة.

مؤشر الأسهم الإسلامية: يركز على الشركات التي تتبع تمويلًا إسلاميًا ولا تشارك في الأنشطة المحرمة.

مقارنة مبسطة بين المؤشرات المالية العادية والمؤشرات الإسلامية:

كيفية قراءة التقارير المالية مع التركيز على الشريعة الإسلامية:

من المهم أن تتعلم كيفية قراءة التقارير المالية للشركات وتقييم مدى توافقها مع الشريعة. التركيز هنا يجب أن يكون على:

نسبة الديون: الشركات التي تحتوي على نسبة عالية من الديون الربوية تعتبر أسهمها غير حلال.

مصادر الأرباح: تأكد من أن الشركة لا تجني أرباحًا من أنشطة غير مشروعة أو غير قانونية.

عند قراءة التقارير المالية، ابحث عن أي تلميحات حول استخدام الشركات للقروض أو الفوائد، أو استثماريتها في المجالات التي قد تتناقض مع المبادئ الإسلامية.

التنويع في الاستثمار الحلال:

من النصائح الجوهرية للمستثمرين المسلمين هي التنويع؛ لا تضع جميع أموالك في شركة واحدة حتى لو كانت حلالًا. من الأفضل توزيع استثماراتك بين عدة شركات حلال في صناعات مختلفة، مثل: التكنولوجيا، الصحة، الصناعات الغذائية، النقل، الأعمال الخدماتية. من فوائد التنويع تقليل المخاطر إذا تعرضت شركة لمشاكل مالية، فإن التنويع يضمن لك استمرار الاستثمارات الأخرى. وتعظيم العوائد فتنوع المجالات يؤدي إلى تحقيق عوائد مختلفة من قطاعات متنوعة.

نصائح هامة للتحقق من شرعية الاسهم:

هنا بعض النصائح المهمة التي ستساعدك في التحقق من شرعية الاسهم قبل التداول والاستثمار بوعي:

أولًا: لا تعتمد على مصدر واحد فقط: عند البحث عن شرعية سهم معين، لا تكتفِ بمصدر واحد، بل تأكد من مراجعة عدة جهات موثوقة، مثل: الهيئات الشرعية، الفتاوى الرسمية، والمؤشرات المالية الإسلامية.

ثانيًا: استخدم الفلاتر الإسلامية المتاحة في منصات التداول: بعض منصات التداول تقدم فلتر شرعي للأسهم، مثل: فلتر الأسهم الإسلامية في السوق السعودي، والذي يساعدك في اختيار الشركات المتوافقة مع الشريعة.

ثالثًا: تحقق من نسبة الديون الربوية في القوائم المالية: حتى لو كان نشاط الشركة مباحًا، فإن ارتفاع نسبة الديون الربوية يمكن أن يجعل سهمها غير شرعي، لذا تأكد من أن الشركة لا تعتمد بشكل أساسي على التمويل الربوي.

رابعًا: لا تستثمر في الشركات ذات الأنشطة المختلطة دون تطهير الأرباح: بعض الشركات تعمل في أنشطة مختلطة، أي أنشطة بين المباح والمحرم؛ إذا قررت الاستثمار فيها، فابحث عن طريقة تطهير الأرباح وفقًا للفتاوى الشرعية.

خامسًا: تابع تحديثات الهيئات الشرعية بانتظام: لأن الفتاوى الشرعية قد تتغير بناءً على تحديثات القوانين المالية والمستجدات المحلية والعالمية وأوضاع الشركات، لذا تابع آخر القوائم الشرعية المحدثة من الهيئات المختصة.

سادسًا: استشر مختصين في الاقتصاد الإسلامي: إذا كنت غير متأكد من شرعية سهم معين، لا تتردد في استشارة مستشار مالي إسلامي أو البحث عن فتاوى متخصصة من علماء موثوقين فالأمر يستحق.

سابعًا: لا تنسَ أهمية التنويع في الاستثمار: حتى عند الاستثمار في الأسهم الحلال، من الأفضل تنويع محفظتك بين عدة شركات وقطاعات لتقليل المخاطر المالية وضمان حفظ أرباحك.

ثامنًا: اجعل نيتك الاستثمار الحلال وليس فقط الربح السريع: أنت تعرف أن الاستثمار وفقًا للشريعة الإسلامية ليس فقط أداة لتحقيق الأرباح، إنما هو أيضًا التزام ديني وأخلاقي، لذا احرص على أن يكون هدفك الأساسي هو الكسب بطرق مشروعة ومباركة.

تاسعًا: لا تستعجل في اتخاذ القرار: سوق الأسهم يتطلب البحث والتخطيط المستمر، لا تغامر بأموالك قبل التأكد التام من شرعية الاسهم، فالربح السريع قد يكون مغريًا، لكنه ليس دائمًا مضمونًا أو حلالًا.

أخيرًا: استخدم الأدوات والتطبيقات الحديثة لمساعدتك: هناك تطبيقات ومواقع متخصصة تقدم لك تحليلًا جاهزًا حول شرعية الاسهم، مثل: Islamicly تطبيق يساعد في تصفية الأسهم الحلال، Zoya تطبيق لتحليل شرعية الاسهم في الأسواق العالمية، وفلتر الأسهم الإسلامية.

وبالطبع! الاستثمار الحلال ليس معقدًا، لكنه يتطلب وعيًا والتزامًا، تتبعك لهذه النصائح، يتيح لك التداول بثقة واطمئنان، مع تحقيق أرباح مشروعة تدوم طويلًا.

 ختامًا:

الاستثمار في الأسهم الحلال هو خيار ديني بالتأكيد، لكنّه أيضًا الخيار المالي الأذكى، فالمال سهل إنما جنيه بالطريقة الحلال هو السر في كونه ميزان الحياة الفاضلة والاستثمار العفيّ. عند اتباعك لكل الخطوات التي تم توضيحها في هذه المقالة، يمكنك التأكد من أن استثماراتك تتماشى مع الشريعة الإسلامية فأنت لا ترغب في خسارة مالك على ما حُرّم من الأعمال، هذا يضمن لك نجاحًا مباركًا وأرباحًا طيبة.

انطلق الآن بثقة في دنيا الأسهم الحلال، وكن على يقين أن كل خطوة تقوم بها في صالحك المالي والديني هي بركة مضاعفة تدوم لوقتٍ طويل.