حقيقة لا شيء أكثر إثارة للقلق من حالة عدم اليقين؛ فماذا لو كان القلق في أمرٍ يستدعي ذلك كالاستثمار والأعمال! فــ المستثمرون يبحثون دائمًا عن إشارات مطمئنة تنبئهم بالمستقبل، وتساعدهم في اتخاذ قراراتهم المالية بتؤدة وحتى وضع الخطط؛ أحد هذه الإشارات، والذي ربما يكون الأكثر إثارة للفضول، هو مؤشر الخوف VIX.
فكيف يمكن قياس الخوف؟ كيف تستطيع الأسواق أن تعكس المشاعر المتفائلة أوحتى المضطربة للمستثمرين في أرقام وبيانات؟ هل هذا ممكن! هنا يأتي دور مؤشر الخوف، وهو المؤشر الذي يقيس التقلبات المتوقعة في سوق الأسهم الأمريكية، ليكون بمثابة ميزان المزاج للمستثمرين؛ لأنه وفي لحظات الذعر، يقفز المؤشر إلى مستويات عالية، بينما في أوقات الاستقرار، يعود إلى معدلاته المنخفضة الطبيعية.
في هذه المقالة سنتحدث أكثر عن مؤشر الخوف لفهم آلية عمله وكيف يمكنك الاستفادة منه في عملك الاستثماري.
ما هو مؤشر الخوف VIX؟
يقيس مؤشر الخوف VIX التوقعات بشأن التقلبات الأخيرة في سوق الأسهم ويعكس خوف المستثمرين أو ارتياحهم. المعروف رسميًا باسم مؤشر التقلب CBOE، وهو يقيس التقلبات المتوقعة في سوق الأسهم الأمريكية خلال الثلاثين يومًا القادمة بناءً على خيارات مؤشر S&P 500.
تم إنشاء مؤشر VIX في عام 1993 من قبل بورصة شيكاغو للخيارات (CBOE)، وأصبح أداة مهمة للمستثمرين والمتداولين لقياس مستوى التقلبات وعدم اليقين في الأسواق المالية.
يطلق عليه مؤشر الخوف والجشع لأن ارتفاعه يعني أن المستثمرين يشعرون بعدم اليقين والقلق بشأن المستقبل، مما يؤدي إلى بيع كثيف للأسهم. ومن ناحية أخرى، عندما يكون المؤشر منخفضا، يكون السوق في حالة من الهدوء والتفاؤل حيث لا يتوقع المستثمرون تقلبات حادة في الشهر المقبل.
يستخدم المستثمرون هذا المؤشر لفهم معنويات السوق لأنه يمكن أن يكون بمثابة دليل على الاتجاهات المستقبلية. على سبيل المثال، إذا كان مؤشر VIX منخفضًا للغاية، فقد يعني ذلك أن المستثمرين يشعرون بالرضا المفرط، مما قد يؤدي إلى فقاعات في السوق؛ وإذا كان مرتفعًا، فقد يشير ذلك إلى فرصة جيدة للشراء بسعر منخفض قبل أن يهدأ السوق مرة أخرى.
ما هي معادلة حساب مؤشر الخوف؟
مؤشر الخوف يُحسب بناءً على تقلبات أسعار الخيارات في سوق الأسهم كما أسلفنا، لكنّه يتسم ببعض التعقيد نوعًا ما. دعنا نبسّط الفكرة لك في معادلة منطقية وبالعربي كما نقول:
معادلة مؤشر الخوف VIX :
مجموع التقلبات المتوقعة في الأسعار × وزن كل منها ÷ المدة الزمنية = مؤشر الخوف VIX
وهنا شرح إضافي للمعادلة، ببساطة عليك بالآتي:
حدد التقلبات المتوقعة: والتي يتم حسابها من خلال أسعار الخيارات على مؤشر S&P 500 الخيارات تعكس توقعات المستثمرين للتقلبات المستقبلية، وهو بالمناسبة المؤشر الوحيد الذي يعمل عليه مؤشر الخوف.
خذ متوسط هذه التقلبات: يتم ذلك وفقًا لأوزان معينة لكل خيار بناءً على مدى حساسيته للسوق.
قسّم على المدة الزمنية: وهنا تُحول إلى نسبة سنوية لمعرفة التقلب المتوقع خلال السنة.
وبشكل عام فإن:
VIX مرتفع = خوف وعدم يقين في أسعار السوق ومن المتوقع أن يكون هناك تذبذب عالي خلال شهر قادم.
VIX منخفض = استقرار وثقة في أسعار السوق خلال شهر قادم.
كيف يُفسّر مؤشر الخوف VIX وكيف تستطيع قرائته؟
مؤشر أقل من 20 يعني أن الأسواق مستقرة، والمستثمرون متفائلون، مما يشير إلى عدم وجود قلق كبير حول التقلبات المستقبلية. غالبًا ما يكون هذا مصحوبًا بارتفاع أسعار الأسهم واستقرارها نسبيًا.
مؤشر بين 20 - 30 يعني أن حالة من الحذر وعدم اليقين البسيطة، تقلبات متوسطة ومعتدلة في الغالب؛ في هذه المرحلة، قد يبدأ المستثمرون في التحوط ضد المخاطر المحتملة مستقبلًا خلال شهر قادم.
مؤشر فوق 30 يعني أن الأسواق في حالة خوف، وقد نشهد انهيارات أو تقلبات عنيفة وحادّة في الأسعار؛ لأنه عندما يصل مؤشر الخوف إلى هذه المستويات، فإن الأسواق عادةً ما تكون في حالة اضطراب، وقد يسعى المستثمرون إلى الملاذات الآمنة، مثل: الذهب أو السندات الحكومية.
أمثلة على مؤشر الخوف:
هذه بعض الأمثلة على نتائج مؤشر الخوف في فترات زمنية معينة والتي شهدناها جميعًا مؤخرًا وهي:
الأزمة المالية 2008: قفز VIX إلى مستويات تاريخية تجاوزت 80، حيث انهارت الأسواق المالية العالمية في مستوى اضطراب شديد جدًا لمؤشر الخوف، وحدثت عمليات بيع واسعة النطاق وعلى كافة المستويات بين المستثمرين.
جائحة كورونا 2020: عندما حدث انتشار لوباء كورونا عالميًا ارتفع المؤشر إلى 82، عاكسًا بذلك الذعر الذي أصاب الأسواق والمستثمرين نتيجة عدم اليقين حول مستقبل الاقتصاد العالمي في ظل الجائحة إذ استمرت فترة من الزمن.
انهيار البنوك 2023: شهدنا في ذلك الوقت ارتفاعًا مفاجئًا في المؤشر بسبب أزمة البنوك الإقليمية في الولايات المتحدة، والتي أثارت مخاوف المستثمرين بشأن الاستقرار المالي عالميًا وبث القلق في صفوفهم.
أعلى وأدنى مستويات مؤشر الخوف تاريخيًا:
أعلى مستوى تاريخي: تجاوز 80 خلال أزمة 2008 المالية وكذلك في مارس 2020 خلال جائحة كورونا.
أدنى مستوى تاريخي: حوالي 9-10، وكان ذلك خلال فترات الاستقرار في الأسواق، مثل: عام 2017.
لماذا يهتم المستثمرون بمؤشر الخوف؟
هل المؤشر مهم؟ وهل يهتم به أصحاب الاستثمارات؟ قد يرجع اهتمام المستثمرين بــ مؤشر الخوف إلى كونه:
مؤشر تحذيري: وهذا يعني أنه عندما يرتفع المؤشر، يشير إلى احتمالية حدوث اضطرابات في الأسواق، مما يسمح للمستثمرين باتخاذ قرارات احترازية قبل وقوع المحظور.
أداة للتحوط: هنا يمكن للمستثمرين استخدامه لحماية محافظهم المالية من التقلبات العنيفة القادمة، مثل: شراء عقود الخيارات الدفاعية أو الاستثمارات الآمنة كالذهب ضد التغيرات السريعة التي ستحدث.
فرصة للمضاربة: بعض المستثمرين يتداولون العقود المرتبطة بمؤشر الخوف لتحقيق أرباح من التقلبات السريعة، حيث يوفر ارتفاع المؤشر فرصًا قويّة لتحقيق مكاسب كبيرة جدًا خلال فترات الذعر لكنها تحتاج إلى قلب جسور ومجازف حقًا.
كيف يمكن الاستفادة من مؤشر الخوف ؟
يمكن الاستفادة من مؤشر الخوف على عدة مستويات، وهي على النحو الآتي:
للأفراد: قد يستفيد الأفراد من متابعة مؤشر الخوف الذي يسمح لهم كــ متداولين باتخاذ قرارات الاستثمار المناسبة، مثل: تجنب الشراء عند ارتفاع المؤشر فوق 30، والبحث عن فرص شراء عند انخفاضه حتى مستويات 20 وأقل.
للشركات والمؤسسات: يُستخدم كأداة لإدارة المخاطر والتحوط ضد التقلبات الكبيرة والتغيرات السريعة، مما يسمح لها بتحديد استراتيجيات الحماية المناسبة.
للمضاربين: التداول في العقود المستقبلية الخاصة بـ VIX يمكن أن يكون مربحًا فعلًا في أوقات القلق واضطرابات الأسواق، حيث تتزايد التقلبات والتغيرات، مما يوفر فرصًا لتحقيق مكاسب سريعة وضربات حظ قوية للمضاربين!
العوامل المؤثرة على مؤشر الخوف:
هناك العديد من العوامل الهامة التي تؤثر على تذبذب أو ارتفاع وانخفاض مؤشر الخوف، أهمها:
الأزمات المالية العالمية: الأزمات، مثل: الركود الاقتصادي أو انهيار الأسواق، حيث تؤدي إلى ارتفاع حاد في مؤشر الخوف نتيجة زيادة الطلب على التحوط ضد التقلبات التي قد تحدث إثر الأزمة.
الأحداث الجيوسياسية: تؤثر الحروب والصراعات المحلية أو التوترات الدولية بشكل كبير على مؤشر الخوف وتؤدي إلى ارتفاعه غالبًا؛ حيث ترفع المخاطر وتدفع المستثمرين نحو الأصول الآمنة والتحوط.
السياسات النقدية: قرارات الفيدرالي الأمريكي حول أسعار الفائدة تؤثر على معنويات المستثمرين ومشاعرهم، حيث قد يؤدي رفع الفائدة إلى تقلبات أكبر في الأسواق وتغيير اتجاهات المستثمرين.
الأحداث غير المتوقعة: أيضًا الأحداث الخارجة عن الإرادة البشرية، مثل: الكوارث الطبيعية كالزلازل أو الأوبئة كــ وباء كورونا، التي تزيد من حالة عدم اليقين والقلق في الأسواق، مما يحدث تغير في المؤشر وتدفع المستثمرين إلى التصرف وفق مشاعرهم .
لكن هل مؤشر الخوف دقيق دائمًا؟
حسنًا، على الرغم من أهميته، فإن مؤشر الخوف ليس أداة مثالية وكاملة التحقق؛ فهو يقيس التقلبات المتوقعة وليس المؤكدة، لأنه يعمل وفق الاحتمالات وليس الحقائق كما تقدم، فهو تنبؤي بالدرجة الأولى! مما يعني أنه قد يُبالغ أحيانًا في تقدير المخاطر المحتملة أو يقلل منها حتى.
كما أنه يعتمد على بيانات خيارات S&P 500 فقط، وليس بيانات متعددة مما قد لا يعكس الصورة الكاملة والواضحة لأسعار الأسواق العالمية؛ بالإضافة إلى ذلك، فإن بعض المستثمرين يستخدمونه بشكل غير دقيق وغير فعّال، ما يؤدي إلى قرارات استثمارية خاطئة في بعض الأحيان!
الخاتمة:
حتى بين القلق من التصرف والفرص المتاحة بالفعل يبقى مؤشر الخوف هو أكثر من رقم بسيط يتذبذب؛ إنه نبض الأسواق الذي يعكس مدى توتر المستثمرين أو ارتياحهم وحتى مشاعر التفاؤل والجشع؛ في الأوقات العصيبة قد يبدو وكأنه ناقوس خطر ويرفع الضغط حقًا، لكنه في الوقت ذاته يمكن أن يكون بوابة لفرص استثمارية كبيرة يدركها المستثمر وفق احتياجاته في التداول.
هل يجب أن تخاف من هذا المؤشر؟ الجواب يعتمد على استراتيجيتك المالية، فالمستثمر النبيه لا يرى التقلبات كعقبة في طريق طموحاته، إنما كفرصة لفهم الأسواق بشكل أعمق واتخاذ قرارات أكثر حكمة بالتتبع الدقيق لكل شاردة وواردة في المجال. في المرة القادمة التي تسمع فيها عن ارتفاع مؤشر الخوف، تذكر ألا تنجرف وراء الذعر، بل اسأل نفسك: ماذا يخبرنا السوق؟